النساء، الشباب، المؤسسات، المشاركة، الاستعداد
25.09.2019منذ القرن الماضي بدأ الاهتمام دولياً ومن ذوي الاختصاص بمعالجة قضية تهميش دور المرأة والشباب في برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية والمشاركة السياسية. اذ خلصت التجارب أن البناء والتقدم وتحقيق التنمية تسير بشكل أفضل وأكثر فاعلية إذا تم تقدير وادماج وإبراز جهود النوع الاجتماعي. يستند هذا النهج إلى جعل المشاركة السياسية والاجتماعية أكثر عدلاً من خلال مراقبة ومتابعة السياسات المحلية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمشاركة العنصر البشري. وبالتالي؛ لا يمكن تصور النمذجة السياسية والاقتصادية المحلية والتي اساساً غير قابلة للتجزئة من الجهة العملية والغير مصممة لفئة معينة تحتكر الخبرة بمعيار العمر من وجهة النظر الثقافية المجتمعية السائدة بدون مشاركة الشباب والنساء. فالحث على المشاركة الجماعية هي تصور للبدائل القائمة على المؤسسية التقليدية المتمحورة حول الجنسانية والحث على تبني إستراتيجية وخيارات تتمحور حول المشاركة التامة لإجراء تحقيق شامل في الأهداف التنموية وضمان استدامتها.
فالمشاركة السياسية هي عملية توسيع الافكار المتاحة لجميع الأفراد في المجتمع ورفض التمييز. وهذا يجعل الهدف الرئيسي هو خلق بيئة مناسبة تقوم على المشاركة النشطة والإبداع وتحسين نوعية الحياة لأفراد المجتمع. لذلك فهي تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية:
أولاً: الثقة في قدرة الشباب في إدارة الحياة السياسية والمجتمعية، وهي بيئة حقيقية لتحمل المسئولية ومشاركة وجدانية لبناء الرفاه؛
ثانياً: لا يجب ان تبنى او تقتصر على هيئة إحسان او إرضاء لجهات معينة، ولكن المشاركة تبنى بمجموعة من المتطلبات؛ التعليم، المعرفة، المهارات والتقنيات، الإدارة الإلكترونية، استعداد المؤسسات للقوانين واللوائح المناسبة وكذلك دوافع وقيم المرحلة؛
ثالثًا: تمثل الإرادة السياسية لتبني جملة من الإصلاحات والتطوير كآليات أساسية لضمان المشاركة الفردية والمجتمعية والمتطلبات الذاتية والموضوعية والفرص المتساوية والعادلة.
إن تعزيز مشاركة المرأة والشباب في إدارة الشأن العام وفي الهيئة التشريعية وعملية بناء الدستور وبنسبة تمثيل عادلة في جميع هياكل وآليات السلطة ومواقع صنع القرار يعد هدفاً من بين الأهداف التنموية الاجتماعية المستدامة. وهو يهدف إلى خلق سياق تنموي إيجابي يعتمد التفاعل فيه على المهارات والقدرات والفرص؛ فمثلاً:
- في المجال التربوي: الترتيب المعرفي الفعال للمرأة والشباب بما يتماشى مع ثورة المعلومات وإعادة الإدماج والتدريب المتساوي للاستثمار في العنصر البشري.
- في المجال التشريعي: الوعي والمعرفة بالقوانين واللوائح التي تخاطب وتؤثر على كليهما بشكل مباشر، مثل قوانين التعليم، الأسرة، العمل والحقوق التي تستند إليها القوانين والدستور.
- في المجال السياسي: دعم موقف المرأة والشباب في صنع القرار لتفعيل مشاركتهم في مختلف مجالات القيادة.
- في المجال الاقتصادي: يرفع من الإنتاجية ويشجع على توفير فرص الاستثمار وزيادة مساهمتهم في القوى العاملة والعمالة.
- في المجال الاجتماعي: دعم الاستقرار الأسري وحماية وتأكيد دور المرأة والشباب في عملية التنشئة الاجتماعية.
وبشكل عام فإن المشاركة السياسية والمجتمعية للمرأة والشباب تتركز في:
- بناء القدرات من خلال مساعدتهم على اكتساب المهارات والقدرات اللازمة في التخطيط والإدارة والتفكير الإبداعي، وما إلى ذلك، من أجل إشراكهم في سوق العمل بطريقة مهنية؛
- تحقيقاً لمبدأ تكافؤ في النتائج وليس في الفرص يجب تبني مبدأ (الكوتا) أي تخصيص حصص للنساء والشباب تضمن لها المشاركة الفعالة في هياكل الدولة وآليات السلطة ومواقع صنع القرار منها:
- ضمان فرص متكافئة للمرأة والشباب لتولي المناصب التنفيذية والتمثيلية العليا في مختلف إدارات الدولة وجعل المؤهل والكفاءة المعيار الاساسي لتولي المناصب على كافة المستويات المحلية والدولية؛
- تعزيز الجهود الداعمة لخلق نماذج من القيادات النسائية والشباب العالية الكفاءة والتأهيل للمشاركة في ترميم البيت الليبي من الداخل “الحوار الوطني”.
- المشاركة في سياسات وخطط التنمية لضمان تحقيق منافع عادلة لمختلف القطاعات للتأثير على السياسات الاقتصادية الوطنية وتقديم تصورات مختلفة حول التشريعات والقضايا المحلية ذات الصلة؛
- الاهتمام بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال توفير مراكز متخصصة وعملية التقديم ستساعد على تحقيق تطلعات ذوي الاحتياجات الخاصة للمرأة والشباب وتدريبهم على اكتساب المهارات التي تمكنهم من الاندماج في مؤسسات الدولة والقطاعات الأخرى؛
- معالجة الصورة التقليدية النمطية للمرأة في أذهان المجتمع، والابتعاد عن ازدواجية التفكير والسلوك الاجتماعي الرافض لمشاركة المرأة، من خلال الترويج لصورة إيجابية عن النساء كنشطاء وقادة سياسيين بداً من الكتب المدرسية والمناهج الدراسية.
ولتحقيق تلكم الطموحات من اجل تطوير مشاركة المرأة الليبية والمشاركة الفعالة لشباب وضمان اندماج كليهما بالحياة السياسية والمؤسساتية ندعو لبدل الجهود في وضع خطة شاملة تعتمد على الايمان بدور المرأة والشباب كعنصر بشري لديهم الرغبة الحقيقية في المشاركة والبناء، والابتعاد عن الازدواجية في التفكير والأنماط السلوكية المترددة. وخلاصة القول يمكننا ان ننجزم ومن خلال الواقع، أن الدعم المكتوب من قبل المشرع الليبي لتمكين المرأة والشباب اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً لضمان مساهمتهما الفعالة في التنمية والبناء قائم وموجود، غير أن هذه التشريعات والقوانيين الداعية والداعمة للمساواة بين الجنسين تفتقر لمنهجية الوعي المؤسسي والمجتمعي بها والتطبيق لها، وإن الشاب الليبي والمرأة الليبية كليهما يعاني من الظلم الهيكلي والتمييز الواسع النطاق مما يحد ويعرقل دورهما في الإسهام في بلورة مستقبل المجتمع الطامح للرفاه.
حميدة ميلاد أبورونية
القاهرة – مصر
25سبتمبر 2019