خرافة النحل Fable of the Bees

18.09.2014

 كتب ماندفيل في كتابه ؛ خرافة النحل” الذي اصبح فيه نظام قائم علي الفلسفة الكلبية “التشائومية”، جذاباً باستخدام بعض المفارقات البارعة …. فمذهبه القائل إن الرخاء يزداد بالانفاق وليس بالادخار يتفق مع الكثير من الافكار الاقتصادية المعاصرة التي لم تنقرض حتى الان. حيث انه افترض مثل المؤمنين بالزهد ان الرغبات الانسانية فاسدة بالضرورة وانها تنتج بالثالي رذائل خاصة وافترض مثل وجهة النظر الشائعة أن الثروة منفعة عامة ، اوضح بسهولة أن الحضارة برمتها اقتضت ضمناً تنمية الميول الاثمة

مثن خرافة النحل عبارة عن قصيدة مجازية “خلية النحل المتذمرة – الاوغاد وقد صاروا افاضل” يعرض فيها المصير المروع لمجتمع مزهر قرر كل مواطنيه فجأة ان يهجروا العيش المرفه، وقررت فيه الدولة ان تخفض التسلح من اجل الادخار

لم يعد لاي نبيل ان يقنع الان بان يحيا ويكون مدينا بما انفق
ثياب العمل معلقة في دكاكين الوسطاء
والناس يتخلون عن مركباتهم بثمن بخس
يبيعون الخيول الاصيلة بالجملة
والبيوت الريفية لسداد الديون
يتجنبون النفقات الفارغة كفساد اخلاقي

لم تعد لهم قوات بالخارج ويسخرون من تقدير الاجانب لهم
ومن المجد الفارغ الذي كسبوه بالحروب
الان يحاربون من اجل بلدهم فحسب
حين يكون الحق او الحرية في خطر

والمرأة المتغطرسة
صارت تقلص قائمة الطعام الغالية
وترتدي زيها الخش طوال العام

ومالنتيجة؟

والان تبصر في حال الخلية المجيدة
وانظر، كيف تتفق الاستقامة مع التجارة

انتهى العرض، واختفى بسرعة
والحال يبدو الان مختلفا تماما
فمن كانوا ينفقون مبالغ طائلة سنوياً
لم يمضوا وحدهم
بل إن الحشود الذين كانوا يتعيشون عليهم اجبروا يوميا علي نفس المصير
وعبثاً  يهرعون الي مهن اخرى
فوجودوها كلها مكدسة بدروها

انخفظت اسعار الاراضي والدور
وهُجرت القصور الرائعة
ودمرت مهنة البناء تماماً

ولم يعد الصناع المهرة يشتغلون
ولم يعد أي مزخرف صيته ذائعاً في هذا الفن
ولم يعد قاطعوا الأحجار والنحاتون مطلوبين

المغزي اذن هو

تقليل الانفاق وهجر العيش المرفه لا تجعل الامم تعيش في ابهة ، ومن يريدون تحقيق نموا اقتصاديا ، يجب أن يكونوا أحراراً في اختيار الانفاق او الادخار

وهذا يذكرنا بالاية الكريمة

وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا

[الاسراء: 29]

كما أتى هذا المعنى أيضاً في قول الحق سبحانه وتعالى : وٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما

[الفرقان: 67]

حسب تفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي:  الحكمة من الاعتدال في الإنفاق، هو: إن الإنفاق المتوازن يُثري حركة الحياة، ويُسهم في إنمائها ورُقيّها، على خلاف القَبْض والإمساك، فإنه يُعرقِل حركة الحياة، وينتج عنه عطالة وبطالة وركود في الأسواق وكساد يفسد الحياة، ويعرق حركتها ، إذن: لا بُدَّ من الإنفاق لكي تساهم في سَيْر عجلة الحياة، ولا بُد أن يكون الإنفاق معتدلاً حتى تُبقِي على شيء من دَخْلك، تستطيع أن ترتقي به، وترفع من مستواك المادي في دنيا الناس ، فالمبذر والمسْرف تجده في مكانه، لا يتقدم في الحياة خطوة واحدة، كيف وهو لا يُبقِي على شيء؟ وبهذا التوجيه الإلهي الحكيم نضمن سلامة الحركة في الحياة، ونُوفِّر الارتقاء الاجتماعي والارتقاء الفردي

فالقرآن يضع لنا دستوراً حاسماً وَسَطاً ينظّم الحركة الاقتصادية في حياة المجتمع، فابْسُط يدك بالإنفاق لكي تساهم في سَيْر عجلة الحياة وتنشيط البيع والشراء، لكن ليس كل البسط، بل تُبقِي من دخلك على شيء لتحقق طموحاتك في الحياة، وكذلك لا تمسك وتُقتّر على نفسك وأولادك فيلومونك ويكرهون البقاء معك، وتكون عضواً خاملاً في مجتمعك، لا تتفاعل معه، ولا تُسهم في إثراء حركته.

والحق سبحانه وتعالى وهو صاحب الخزائن التي لا تنفذ، وهو القائل
{ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ.. }
[النحل: 96]

ولو أعطى سبحانه جميع خَلْقه كُلّ ما يريدون ما نقص ذلك من مُلْكه سبحانه، كما قال في الحديث القدسي: ” يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وحيّكم وميتكم، وشاهدكم وغائبكم، وإنسكم وجنكم، اجتمعوا في صعيد واحد، فسألني كُلٌّ مسألته فأعطيتها له ما نقص ذلك مما عندي إلا كمغرز إبرة أحدكم إذا غمسه في البحر، ذلك أَنِّي جَوَاد واجد ماجد، عطائي كلام وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون “.

ثم يقول الحق سبحانه:  إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً

حميدة ميلاد أبورونية

طرابلس ليبيا

4 سبتمبر 2015