تمكين المرأة ، محاولات جادة وتطبيقات فاشلة

12.10.2014

ان تمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً بمجتمعاتنا يواجه مشاكل عديدة رغم المحاولات الجادة من قبل الجهات التشريعية المحلية او المنظمات الاقليمية والدولية الداعمة للمرأة او من خلال صدور بعض القوانين التي تمكنها من الوصول الي اماكن صنع القرار ، ومعظم هذه الاتفاقيات الدولية و التشريعات المحلية لو طبق حتي جزء بسيط منها لكان للمرأة العربية مكانة رائدة ومتميزة ، ولكن هذه التشريعات كتبت وحفظت بشكل جيد داخل الادراج، وظل الحال كما هو عليه ، و النداءات الداعية لتمكين المرأة بالمؤتمرات والندوات المحلية والدولية بدت متكررة ويسودها التشابه سواء في العناصر المدخلة أو المخرجات المنمقة، فلم يعد هناك جديد يذكر او قديم يعاد !

حسب وجهة نظري يرجع عدم التقدم في برنامج تمكين المرأة الي ثلاث جوانب مهمة وهو

عدم الجدية في تطبيق مااجتمعت عليه المواثيق او المشرع والمطالبة بتطبيقه والمتابعة علي ارض الواقع وتسجيل السلبيات والايجابيات من تجارب عملية واقعية طبقت فعلا بدولنا ! ومن تم نستطيع ان نتقدم خطوات للامام في هذا المجال

الثقافة الموروثة بمجتمعاتنا و التي تحول دون حصول المرأة علي حقها في تولي المناصب والمشاركة بصنع القرار. وهذه الثقافة حسب رائي ساهمت المرأة في ترسيخ جزء كبير منها

فالرجل ترعرع وتربي علي يدين امرأة غرست بفكره العديد من الافكار قد تصل لمرتبة ”الافكار العنصريه “ او تمارس وتُمكن في ذهن الابن ”سياسة التمييز “ التي تدينها وتدين ابنتها واختها وصديقتها وجارتها دونما تعلم ، وقد يتهيء للام من غرس هذه الافكار في ذهن ابنها انها تحاول حمايته من غدرهن او كيدهن !! وفي المقابل تغرس بعقله ان معرفه الرجل كنز ! ومعرفه المرأة والاخذ بمشورتها خسارة ! هذه قد تترائى للقاريء انها بسيطة ولكن هي ليست بالبساطة كما تقرأ الان، فهي لها اثر كبير في التعامل مع المرأة مستقبلاً

والفكرة الاخرى مبنيه علي سوء الظن والاشاعات التي سوف تلحق باي صانع قرار لو قرر وضع امرأة بمنصب ادراي وسوف يتعرض هو وهي للاشاعات والاقاويل تصل للشرف، وسيقال انه وضع صديقته بمنصب ما !! في حين لو يتم ارسال موظف لن تلحقه هكذا اقاويل

وهناك العديد من القصص التي تعرض فيها صانع القرار لو قام بتعين امرأة لمنصب ما او ارسلها لدورة تدريبية او اختيارها بلجنة استشارية وغير ذلك تتعرض للاقاويل وتحوم الشكوك حول وجود علاقة بينهما وهذا الظن للاسف موجود بمجتمعاتنا بشكل واسع وكبير رغم ان الله نهانا عنه في قوله سبحانه وتعالى” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ {الحجرات:12}

واعتقد ان الرجال يتجنبون الصداع الذي قد يسببه لهم اي قرار شجاع بتعين او منح المراة او مشاركتها بصنع القرار، ولذلك يتجه لدفع برجل في اي منصب تجنباً للقيل والقال

كما تشرب الرجل من خلال ثقافة تبنها المجتمع في تربية النشء وهي أن المرأة لا يمكن ان تحفظ سراً وللاسف اكدت بعض الدراسات الحديثة هذا المفهوم حول امكانية حفظ المرأة للسر  وبالثالي – وكما هو معلوم وبدراسات مؤكدة اثبت ظلوع الرجل بقضايا فساد اكثر من المرأة – ، لو فكر رجل سواء كان بمنصب قيادي او غير ذلك بالقيام بأي اجراء غير قانوني او غير سليم فلو شريكته إمرأة فهو بالثالي عرضه لكشف سره وفضح امره في اول فرصة !! وقد يفسر هذا لجؤ الرجل لا ختيار رجل اخر يشاركه الفساد وحفظ الاسرار

وهذا لا يعني ان زعامة المرأة سوف تلغي الفساد لكنها تحدث فرقاً، وتربط دراسات عالمية بين التمكين السياسي للنساء خاصة في مواقع صنع القرار وبين الحد من الفساد، حيث أشارت دراسة للبنك الدولي أن زيادة مشاركة النساء في مواقع صنع القرار بمعدل نقطة واحدة فوق (10.9) تؤدي الى إنخفاض في معدل الفساد بنسبة تصل الى 10% ، وفي البيرو توصلت دراسة ميدانية الى أن إشراك أعداد كبيرة من النساء في دوريات شرطة مكافحة المخدرات أدى الى تراجع كبير في الرشوة بين أفراد الشرطة

كما يوجد سبب اخر في ابعاد المرأة عن المشاركة بصنع القرار رغم قناعة المحيط بامكانياتها وهي موضوع الخلوة والمحرم! هناك اجتماعات وسفر في مجال العمل تضطر فيها المرأة الاختلاء برئيسها او هي تختلي بمرؤوسها لمناقشة مواضيع ذات علاقة بالعمل ، ولكن العقلية المملؤة بسوء الظن تحوم حول هذه الاجتماعات . المكان والزمان بهذا الموضوع له حيتياته واسبابه ومعطياته ومن تم مخرجاته التي ابداً ماكنت بصف المرأة وشرفها! وموضوع الخلوة والمحرم للاسف عليه كثير من الجدل وافتى فيه سلاطين الدين مابدا لهم انه السبيل للمحافظة عن المجتمع وذرء الفتن والابتعاد عن الشبهات، لهذا ساتجنب الخوض في هذا الجانب لانه يعكس تناقض تتجلى فيه ثقافة المجتمع بالكامل بكل متنقاضاتها واختلافاتها وساغرق في دوامه ”لو” ولن نصل لنتيجة

الجانب الاخر هو مطالبة المرأة نفسها لقوانين تتيح لها قضاء اكبر وقت بالبيت منه بالعمل !

وكيف يمكن التعامل مع هذا التناقض بين الرغبة والمجاهرة بالتمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبين الحاح المرأة علي الحصول علي قدر كبير من الوقت لقضائه بالبيت ، فلقد تعالت اصوات عدة بحق المرأة باجازة حمل واجازة وضع واجازة رعاية الطفل ومعظم الدول العربية سنت قوانين اجازت فيها بحق المرأة بهذه لاجازات تحت شروط معينة!!

لنكن صرحاء مع مجتمعنا ولنقف امام انفسنا وقفة صادقة ، ولنعترف بسلبياتنا قبل ايجابياتنا ولنواجه هذه الامور المتناقضة والمختلطة بين المطالبة بحقوقنا ، والمصداقية في اداء واجباتنا. ولنسعى جاهدين لمواجهة مثل هذه الثقافات الموروثة والدخيلة علي مجتمعنا والمنافية لشريعتنا الاسلامية السمحة والتي جاءت لتتم مكارم الاخلاق. والاخلاق أساس الحضارة ولها درو كبير في تغير واقع المجتمع ووسيلة للمعاملة الطيبة بين الناس لذلك قال الرسول ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” . ولنبدأ ولنقيم انفسنا قبل ان نقيم غيرنا، وعلينا ان نحدد اوليوتنا بدقة ولا نخلط الاوراق ببعضها. وتستطيع المرأة ان تجد توليفية مناسبة تستطيع من خلالها الرغبة الطبيعية في اداء دور الامومة وبين الطموح في اعتلاء المناصب القيادية 

وعلي المجتمع ان يتعلم الحكم علي الامور كما يراها ويشاهدها لا كما يتاورثها ويسمعاها ، ولنفرض حسن النية والابتعاد عن الظن، والظن الي جانب انه اثم فهو ايضا مهدر لطاقات والموارد البشرية المتاحة وجعل الشخص يفكر بمحدودية والتفكير فقط في ماذا قيل وماذا سيقال لو اقدمت علي قرار ما لتمكين المرأة ولنرفع شعار المرأة المناسبة بالمكان المناسب ، وعلي الرجال ان يتحلوا بالشجاعة والثقة بالنفس في مواجهة ردات الفعل السلبية ”الكلامية” من اي قرار يجدون فيه ان المرأة اصلح لهذا المكان من أي شخص اخر، حينئذ تجدون العديد من النساء يتقلدن مناصب بالدولة، ومعظم القوانين والمواثيق الدولية خرجت من ادراجها ونفضت عنها غبار التقاليد والعادات ، وتنطلق لموضع التطبيق ، وعلي المرأة بالمقابل ان تثبت انها جديرة بهذا المنصب وان التقة التي منحت لها في محلها وليس عبثاً او ضعفاً او كتمييز ايجابي او كواجهة لاظهار انه مجتمع متمدن

حميدة ميلاد أبورونيـــــة

12 اكتوبر 2014

طرابلس – ليبيا