الفســـاد بين السلطة المقيدة والسلطة التقديرية

12.04.2014

نعلم حسب التجربة إن الأنظمة الاستبدادية لا تعير للقانون بالا. وحسب المعايشة تبين لنا إن الحكومة الانتقالية والمؤقتة كانت سلطة تقديرية بامتياز سواء في اتخاذها للقرارات وفي طريقة علاجها لاي مشكلة!! لذلك فطاعون الفساد لن يقضى عليه مادامت القرارت تقديرية، بل يخيل لي انه ازدادا اسنفحالا بتشجيع من صانعي القرار الذين يعطون مثالا سيئا للأسف، والمواطن (البعض وليس الكل ) مساهم طيلة السنوات الماضية والحالية وارتضى أن يلعب لعبة الفساد “فساد الوظيفة” سواء كان بقمة الهرم “صانع للقرار” او اسفل الهرم “منفذ للقرار” الكل تعايش معه مقنعاً نفسه بوجوب فعلها متحججاً بعدة اسباب كالتضخم “ارتفاع الاسعار” مقابل تدني الرواتب الذي يكفي الكفاف! واضعا للوسيلة “الفساد” مسميات مبررة للغاية!!.
والملاحظ انه مهما حاولنا وأبدعنا في بناء الدستور وتفاعلنا مع الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة الفساد، ومهما كان عدد المؤسسات الحكومية أو الغير حكومية في محاربة هذه الظاهرة، ومهما كانت السلطة مقيدة لنفس الغرض، هذا لن يشكل سوى جزء صغيرا من التصدي لهذه الظاهرة. وسيظل دون جدوى ما لم نطور ونعيد تأهيل رأس المال الاجتماعي (التنمية البشرية) وتفعيل بيئة سيادة القانون. فإنه من غير المتوقع أن يختفي الفساد بليبيا ما دامت للمسئولين سلطة تقديرية! ولن يختفي ﻟﻤﺠرد أن حكومة جديدة تولت السلطة أو لأن النمو الاقتصادي سيتحسن . كما أن سريان افتراضية أن العادات المترسخة ستختفي بتغيير كبار الموظفين، وإبعاد أولئك الذين استفادوا من النظام الفاسد باصدار قانون العزل ، تعتبر آمال سطحية لم تتعمق في جذور المشكلة و ستظل حوافز الفساد قائمة وتكون بالغة الضرر للدولة الجديدة .
إن من المتعين على ليبيا التي تعاني من الفساد أن تواجه المهمة الشاقة المتمثلة في إصلاح الوظيفة بالقطاع العام. وهذا ما سيكون مكلفا مالياً أو مؤلماً سياسياً ومن المرجح أن تخفق جهود مكافحة فساد الوظيفة . غير أنه لا مناص من المحاولة. فتدهور مرتبات الوظيفة العمومية بالمقارنة مع القطاع الخاص أو الشركات الأجنبية واضح للعيان، كما أن الفارق في الأجور داخل القطاع العام نفسه متفاوتة من مؤسسة لاخرى ومن جنسية اجنبية والمواطن !! هذه الامور وغيرها لا تحفز على تجنب اي نوع من الرشاوي في ظل ارتفاع الاسعار وتنوع السلع والخدمات التي اصبح معظمه ضروريا اكثر منه كماليا.
ويتعين على صانعي القرار أن يتخذوا إجراءات ملموسة، من بينها تبني سياسية تعويض الموظفين المتضررين من قانون 15 – 1981 برفع مستوى مرتباتهم من خلال تقييم إنتاجيتهم وليس مناصبهم! ومنح المكافأت والمزايا كذلك تبسيط القوانين الضريبية وإمعان النظر في النصوص التنظيمية الغير فعالة والحد من السلطة المخولة للإداريين وتوقيف العبث بالمواطنين والمؤسسات من خلال قرارت تقديرية وإعادة تنظيم الجهاز الإداري لتحسين المراقبة وحوافز حسن الأداء. وغيرها من الاجراءات التى تنشئ من عناصر الترغيب والترهيب ما يحفز الموظفين على أداء الواجب بفعالية.
كما أن مزيدا من الديمقراطية في المجتمع سيسمح للمواطنين التعبير عن أنفسهم وإدارة شؤونهم بشفافية، و مساءلة أي شخص سواء كان رئيساً او عضوا بالمؤتمر الوطني أو وزيراً، أو مديراً، أو عاطلا عن العمل ومحاسبتهم والوعي بأن حملات مكافحة الفساد تُستخدم للتشهير وتأديب المرتشين. هذه وسائل مساعدة على إضعاف الفساد ومكافحته بشكل أفضل، وأخيرا، هذا الشر المستفحل في الدولة والذي ينهش المجتمع، لا يمكن أن يكافح إلا عن طريق تطبيق آليات الحكم الرشيد، التي من أهم مهامها وبشكل ملخص أن تجتث ثقافة الفساد الموروثة في هذا الشعب من خلال خلق الثقة التي تبنى تدريجياً بناء على تصرفات المسئولين المؤطرة بسلطة مقيدة !.

د. حميدة أبورونية، نشر بجريدة الوطن ، العدد صفر ، 2013.